في ذكر آدم عليه السلام؟؟؟ إياك والذنوب فإنها أذلت أباك بعد عز (اِسجدوا) وأخرجته من أقطار (اسكُن) مذ سبى الهوى آدم هوى، دام حزنه، فخرج أولاده العقلاء محزونين، وأولاده السبايا أذلة، أعظم الظلمة ما تقدمها ضوء، وأصعب الهجر ما سبقه وصل، واشد عذاب المحب تذكاره وقت القرب، كان حين إخراجه لا تمشي قدمه، والعجب كيف خطا.
وَتَلَفَّتَت عَيني فَمُذ خَفِيَت ... عَنّي الطُلولُ تَلفَّتَ القَلبُ
واعجبا لجبريل بالأمس يسجد له واليوم يجر بناصيته، والمدنف يقول: ارفق بي:
يا سائقَ البَكَراتِ اِستَبِقِ فَضلَتَها ... عَلى الروي فظهر البكر مقعور
الأسى لأيام الوصال، واللسان يقول: يا ويلتاه والقلب ينادي: يا لهفاه
مِن مُعيٌ أَيامَ جَمعٍ عَلى ما ... كانَ مِنها وَأَينَ أَيّامُ جَمعِ
طالِباً بِالعِراقِ يَنشُدُ هيهات زماناً أَضَلّهُ بِالجَزعِ
كم قصة غصة بعثها مع بريد السر لا يدري بها سوى القلب، مكنونها التأسف، ومضمونها التلهف.
أَلا يا نَسيمَ الريحِ مِن أَرضِ بابلٍ ... تَحمِل إِلى أَهلِ العِراق سَلامي؟
وَإِنّي لأهوى أَن أَكونَ بِأرضِهِم ... عَلى أَنَني مِنها اِستَفدتُ غَرامي
أخذت صعداء أنفاس آدم من ذكر (وَعَصى) تحرقه لولا أنه تدارك الحريق بمياه (فَتابَ عَليه).
قُل لِجيرانِ الغَضا آَهٍ عَلى ... طيبِ عَيشٍ بالغضا لو كان داما
حَمّلوا ريحَ الصّبا نَشرُكُم ... قَبلَ أَن تَحمِل شيحاً وَثَماما
فكان كلما عاين الملائكة تنزل من السماء تذكر المرتع في المربع، فتأخذ العين في إعانة الحزين:
رَأى بارِقاً مِن أَرضِ نَجدٍ فَراعَهُ ... فَباتَ يُسحُّ الدَمعُ وَجداً عَلى وَجدِ
فيا شَجراتِ القاعِ مِن بَطنِ وَجرَةٍ ... سَقاكِ هَزيمَ الوَدقِ مُرتَجِسُ الرَعدُ
كان عند رؤية الأملاكن يذكر إقطاعه الأملاك، فيكاد مما يأسى، يجعل الرجاء يأسا، ثم قام بعد مراكب المنى يمشي إلى أرض منى، فلولا تلقن الكلمات مات.
هَل الأَعصَرُ اللاتي مَضينَ يَعُدنَ لي ... كَما كُنّ لي أَم لا سبَيلَ إِلى الرّدِّ
واعجبا لقلق ابن آدم بلا معين على الحزن، هوام الأرض لا تفهم ما يقول، وملائكة السماء عندها بقايا (أَتَجعَلُ فيها) فهو في كربه بلا رحيم
أَلا راحِمٌ مِن آلِ لَيلى فأَشتَكي ... لَهُ ما بِقَلبي حَتّى يَكِلَّ لِساني
بُكاءُ آَدَمَ لِفِراق الجَنَةِ لا كَبُكاءِ غَيرِهِ
وَكانَت بِالعِراقِ لَنا لَيالٍ ... سَرقناهُنَّ مِن رَيبِ الزَمانِ
ما كان هذا القلق لنفس الدار، بل لأجل رب الدار " وما بي لابان، بل من داره البان " .
صُحبي مَضَوا فَمَدامِعي ... مُنهِلّةٌ مِن إِثرِ صَحبي
ما فَوقَ الهِجرانُ سَهماً ... فانثني عَن قَصدِ قَلبي
كَلاَّ وَلا نادي الجَوى ... إلا وَكُنتُ أَنا المُلبّى
وَلَقَد وَقَفتُ عَلى مِنى ... لَولا المُنى لَقَضيتُ نَحبي
قال " وهب بن منبه " رضي الله عنه: سجد آدم عليه السلام على " جبل الهند " مائة عام يبكي حتى جرت دموعه في " وادي سرنديب " فنبت من دموعه " الدارصيني " و " القرنفل " وجعل طوير الوادي الطواويس، ثم جاء جبريل عليه السلام فقال: ارفع راسك فقد غفر لك، فرفع رأسه ثم طاف بالبيت اسبوعا فما أتمه حتى خاض في دموعه.
دُموعُ عيني مَذ قَذ جَذَّ بَينُهُم ... مَثلُ الدَّوالي أَوهَنَّ الدَّوالي
كان " آدم " " يعقوب " البلاء جرى القضاء بزلله، فما ذنب اللقمة.
ولكن ظفرتم بالمحبين فارحموا قدح أُريد انكساره، فسلم إلى مرتعش لو لم تذنبوا واعجبا.
كان يبكي للدار مرة وللجار ألفا، والفراق يقلقل، والبعاد يزلزل
وَإنّي لَمُشتاقٌ إلى طيبِ وَصلُكُم ... كَما اِشتاقَ نَحو الدارَ مَن طالَ لَفتُهُ
سَأَبكي الدِّما شَوقاً إِلى ساكِنِ الحِمى ... فَأفني بِهِ كَنزَ اِصطِبارٍ ذَخَرتُهُ
وَلَم أَبكِ بُعدَ الدارِ عَني وَإِنّما ... بَكيتُ لِصَبرٍ كان لي فَعَدِمتُهُ
إِذا كانَ دَمعُ العَينِ بالسِرِّ شاهِداً ... فَلَيسَ بِخافٍ في الهوى ما جَحدتُهُ